آيــــــــات وخــــــــواطر
" وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28) " - القصص -
1 :- (وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ) وفيه دليل على أهمية عمل الرجل وتحصيل رزقه بنفسه له ولأهله ، قال الرسول صلى الله عليه وسلم " إن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده ".
2 :- ( وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ) وفيه دليل على ضرورة مساعدة الضعيف وتقديم يد العون له ونصرته فأن نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام وبالرغم من طول سفره وعلى ما به من تعب وعطش إلا أنه قدم مساعدة المرأتين على نفسه لما رأى ما بهما من ضعف .
3 :- ( قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء ) وفيه دليل على عدم جواز الاختلاط وعلى ضرورة حرص المرأة إذا اضطرت للخروج من بيتها ألا تختلط بالرجال وتزاحمهم ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر الرجال بالمكوث في المسجد حتى تخرج النساء ، كما كان يأمر النساء أن يمشين على حواف الطرق وليس في وسطها وكل ذلك لكي لا يحدث تزاحم واختلاط بين الرجال والنساء ومن المعلوم قدر الشرور التي تنتج من الاختلاط.
4 :- ( وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ) وفيه دليل على جواز خروج المرأة للعمل في حالة عدم وجود عائل أو عدم استطاعة العائل عن العمل لمرض أو نحوه على أن تأتي المرأة بالضوابط الشرعية والشروط التي اشترطها علمائنا لخروج المرأة للعمل.
5 :- ( فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) دعاء مستحب لكل مسلم عامة ولمن يبتغي النكاح خاصة وذلك لما فيه من إظهار الفقر لله سبحانه وتعالى الغني الحميد وسماه العلماء دعاء النكاح وذلك لأن الله سرعان ما استجاب لنبيه موسى بـ( فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا ) والفاء هنا للترتيب فهذه الاستجابة ترتبت على الدعاء كما تفيد السرعة .
6 :- (فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا ) وفيه دليل على عدم خروج المرأة من بيتها إلا لحاجة أي عند الضرورة ، فلما خرجتا للسُقيا استلزم الأمر خروج المرأتان معاً ومعهما العذر في ذلك (وأبونا شيخ كبير) ، ولكن لما كان الخروج لدعوة نبي الله موسى للقاء الأب فلا يستلزم ذلك خروج إلا واحدة منهما فقط.
7 :- ( تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء ) تعبير قرأني بليغ وصف شدة حياءها أحسن الوصف ، فكأنما الحياء ماءا يتقطر منها حتى ملئ الأرض من حولها فهي تمشي عليه ، وفيه إرشاد للمرأة المسلمة عند خروجها من بيتها ومشيها في الطرقات أن يكون حياءها طريقها.
8 :- ( قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ) وفيه أن المرأة إذا تكلمت مع رجل أجنبي عنها فيجب عليها أن يكون الكلام قدر الحاجة من غير زيادة ومن غير خضوع في الكلام أو في الصوت،" فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ" وتجد من عفة ابنة الرجل الصالح أنها بدأت كلامها بكلمة أبي لتنفي أي شبهة أو ريب أنها هي التي تدعو كما أنها بينت سبب الدعوة.
9 :- ( إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ ) وفيه ضرورة الحرص على جزاء من أحسن إلينا ومن ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من صنع إليكم معروفاً فكافئوه ، فإن لم تجدوا ما تكافئوه به فادعوا له حتى تروا أنكم كافئتموه ".
10 :- ( فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ ) وفيه دليل على اختصار الرجل في الحديث عند الكلام مع الأجنبية والإسهاب مع الرجال ، فلما كلم موسى عليه الصلاة والسلام المرأتين قال ( ما خطبكما ) كلام مختصر جداً ، عكس ما فعله عند أبيهما الذي قص عليه القصص.
11 :- ( قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) وفيه دليل على نصرة من أوذي في الله ومساعدته وتمكينه والشد من أزره ليتكمن من مواصلة طريقه لخدمة ونصرة دين الله الحق.
12 :- ( قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ) وفيه بيان على حرص المرأة أن تكون في بيتها وأن يقوم بالعمل من هو أهلا له ، وهذه طبيعة المرأة (وقرنّ في بيوتكنّ) " وبيوتهنّ خير لهنّ " ، فكانت المرأة الصالحة تمشي تبعاً لفطرتها السليمة في رغبتها لعدم الخروج ومزاحمة الرجل على العكس مما نراه الآن من حرص كثير من النساء على الخروج من غير حاجة والله المستعان.
13 :- ( قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ) وكأنها تعلم أن نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام إذا عمل عندهم فليس له أجر إلا أن يتزوج إحداهما ، فكأنها تلمح برغبتها في أن يتزوجها لما رأت من أمانته وقوته ، ومعلوم أن أم المؤمنين وسيدة نساء العالمين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وأرضاها قد أفصحت برغبتها لأحدى النساء أن يتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغ ذلك الرسول فقبل وتم الزواج ، وعليه فإذا رأت المرأة الصلاح من رجل في دينه وخلقه فلها أن تلمح برغبتها في الزواج منه لأهلها على ألا يكون ذلك مدعاة لغير الطرق الشرعية قال تعالى َ(ولاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ).
14:- ( إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ) وفيه إرشاد لرب العمل عند اختياره لعامل أن يكون قويا في مجاله وأمين في أحواله وبهاتين الصفتين يتم صلاح العمل ويفسد بانتفاء وجودهما ، ومعلوم أن القوى أنواع أهمها قوة الإيمان والإسلام ، قيل أن عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه أتخذ كاتباً له نصرانيا فعلم عمر بن الخطاب بذلك فسئله لما ؟ فقال عبدالرحمن بن عوف : لي عمله وعليه دينه ، قال بن الخطاب : أما أنا فوالله لا أعزهم والله أزلهم ولا أدنيهم والله أبعدهم.
15 :- ( قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ... قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ ) وفيه بيان احترام الإسلام لرأي المرأة ، فمن حقها الإدلاء بالرأي وإن كان سديداً يُعمل به.
16 :- ( قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ ) وفيه جواز أن يعرض الرجل ابنته أو من هي تحت ولايته لمن يراه صالحاً في الدين والخلق ، بل إن ذلك من السنة كما جاء عند البخاري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عرض ابنته حفصة على عثمان بن عفان رضي الله عنه فلم يجبه ثم عرضها على أبي بكر الصديق فلم يجبه حتى خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
17 :- ( إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ ) وفيه دليل على جواز تزويج الابنة الصغرى قبل الكبرى ، فلم يثبت من الشرع شيئاً عن ضرورة زواج الكبرى قبل الصغرى كما يفعله بعض الناس في كثير من البلاد بداعي العادات بل الأولى أن التي يأتيها رزقها لا يضّيق عليها بحجة أن الكبرى لم تتزوج بعد.
18 :- ( قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ ) وفيه بيان لصيغة العقد وضرورة أن يتفق الطرفان قبل أن يباشروا العمل على أن يوضح العقد ما يجب على كل طرف أن يقدمه وما يستحقه في المقابل وبيان المدة التي يسري فيها هذا العقد ، قال الله تعالى " يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود "وقال " ِإذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ".
19 :- ( فَمِنْ عِندِكَ ) من تأدب الرجل الصالح الذي قيل أنه نبي الله شعيب في تعبيره مع موسى عليه الصلاة والسلام أنه أراد أن يبين لموسى أن لو أتم العشر حجج فهو يتفضل عليه ، أي أن العامل يتفضل على رب العمل وليس العكس وفيه بيان للعلاقة بين رب العمل والعامل وأنها ليست علاقة سيد بعبده وإنما قد تكون متكافئة فكل منهما يتسفيد من الآخر ولكلاً حقوق وواجبات.
20 :- ( وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ) وفيه بيان لكيفية معاملة العامل بألا تكلفه ما لا يستطيعه وأن ترفق به وترحم ضعفه وحاجته "وهل ترزقون إلا بضعفائكم " وقال أنس بن مالك رضي الله عنه خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين لم يقل لي فيها لما فعلت ذلك أو لما لم تفعل ذلك .
21 :- (سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ) إذا كان رب العمل من الصالحين أعان عامله على فعل الخيرات وترك المنكرات ويسر له إقامة العبادات ، فلا تكون العلاقة دنيوية بحتة وإنما لابد من أمر بالمعروف ونهي عن المنكر .
22 :- ( قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ ) وفيه ألا يأخذ أي طرف من أطراف التعاقد على نفسه وعداً هو لا يدري إن كان سيوفي به أو لا خاصة وان كان غير ملزم به فهو لا يدري ما سيحدث في غده ، وفيه أيضاً ضرورة وجود المرونة بين المتعاقدين وأن يتم بينهما تعديل في الاتفاق إذا كانت هناك حاجة لذلك.
23 :- (وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ) ما أجمل أن تختم العقود بهذه العبارة ، فإن الله شهيداً على اتفاقهما يسمع ويرى ولكنهما أرادا أن يوكلا الله في هذا الأمر كله فهو وكيل كل شىء ، وذلك مثل قول يعقوب عليه السلام إذ قال لأبنائه لما أرادوا أخذ أخو يوسف الأصغر (قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِّنَ اللّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ) (يوسف : 66 ).
هذا والله أعلم،
" وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28) " - القصص -
1 :- (وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ) وفيه دليل على أهمية عمل الرجل وتحصيل رزقه بنفسه له ولأهله ، قال الرسول صلى الله عليه وسلم " إن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده ".
2 :- ( وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ) وفيه دليل على ضرورة مساعدة الضعيف وتقديم يد العون له ونصرته فأن نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام وبالرغم من طول سفره وعلى ما به من تعب وعطش إلا أنه قدم مساعدة المرأتين على نفسه لما رأى ما بهما من ضعف .
3 :- ( قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء ) وفيه دليل على عدم جواز الاختلاط وعلى ضرورة حرص المرأة إذا اضطرت للخروج من بيتها ألا تختلط بالرجال وتزاحمهم ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر الرجال بالمكوث في المسجد حتى تخرج النساء ، كما كان يأمر النساء أن يمشين على حواف الطرق وليس في وسطها وكل ذلك لكي لا يحدث تزاحم واختلاط بين الرجال والنساء ومن المعلوم قدر الشرور التي تنتج من الاختلاط.
4 :- ( وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ) وفيه دليل على جواز خروج المرأة للعمل في حالة عدم وجود عائل أو عدم استطاعة العائل عن العمل لمرض أو نحوه على أن تأتي المرأة بالضوابط الشرعية والشروط التي اشترطها علمائنا لخروج المرأة للعمل.
5 :- ( فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) دعاء مستحب لكل مسلم عامة ولمن يبتغي النكاح خاصة وذلك لما فيه من إظهار الفقر لله سبحانه وتعالى الغني الحميد وسماه العلماء دعاء النكاح وذلك لأن الله سرعان ما استجاب لنبيه موسى بـ( فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا ) والفاء هنا للترتيب فهذه الاستجابة ترتبت على الدعاء كما تفيد السرعة .
6 :- (فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا ) وفيه دليل على عدم خروج المرأة من بيتها إلا لحاجة أي عند الضرورة ، فلما خرجتا للسُقيا استلزم الأمر خروج المرأتان معاً ومعهما العذر في ذلك (وأبونا شيخ كبير) ، ولكن لما كان الخروج لدعوة نبي الله موسى للقاء الأب فلا يستلزم ذلك خروج إلا واحدة منهما فقط.
7 :- ( تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء ) تعبير قرأني بليغ وصف شدة حياءها أحسن الوصف ، فكأنما الحياء ماءا يتقطر منها حتى ملئ الأرض من حولها فهي تمشي عليه ، وفيه إرشاد للمرأة المسلمة عند خروجها من بيتها ومشيها في الطرقات أن يكون حياءها طريقها.
8 :- ( قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ) وفيه أن المرأة إذا تكلمت مع رجل أجنبي عنها فيجب عليها أن يكون الكلام قدر الحاجة من غير زيادة ومن غير خضوع في الكلام أو في الصوت،" فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ" وتجد من عفة ابنة الرجل الصالح أنها بدأت كلامها بكلمة أبي لتنفي أي شبهة أو ريب أنها هي التي تدعو كما أنها بينت سبب الدعوة.
9 :- ( إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ ) وفيه ضرورة الحرص على جزاء من أحسن إلينا ومن ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من صنع إليكم معروفاً فكافئوه ، فإن لم تجدوا ما تكافئوه به فادعوا له حتى تروا أنكم كافئتموه ".
10 :- ( فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ ) وفيه دليل على اختصار الرجل في الحديث عند الكلام مع الأجنبية والإسهاب مع الرجال ، فلما كلم موسى عليه الصلاة والسلام المرأتين قال ( ما خطبكما ) كلام مختصر جداً ، عكس ما فعله عند أبيهما الذي قص عليه القصص.
11 :- ( قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) وفيه دليل على نصرة من أوذي في الله ومساعدته وتمكينه والشد من أزره ليتكمن من مواصلة طريقه لخدمة ونصرة دين الله الحق.
12 :- ( قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ) وفيه بيان على حرص المرأة أن تكون في بيتها وأن يقوم بالعمل من هو أهلا له ، وهذه طبيعة المرأة (وقرنّ في بيوتكنّ) " وبيوتهنّ خير لهنّ " ، فكانت المرأة الصالحة تمشي تبعاً لفطرتها السليمة في رغبتها لعدم الخروج ومزاحمة الرجل على العكس مما نراه الآن من حرص كثير من النساء على الخروج من غير حاجة والله المستعان.
13 :- ( قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ) وكأنها تعلم أن نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام إذا عمل عندهم فليس له أجر إلا أن يتزوج إحداهما ، فكأنها تلمح برغبتها في أن يتزوجها لما رأت من أمانته وقوته ، ومعلوم أن أم المؤمنين وسيدة نساء العالمين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وأرضاها قد أفصحت برغبتها لأحدى النساء أن يتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغ ذلك الرسول فقبل وتم الزواج ، وعليه فإذا رأت المرأة الصلاح من رجل في دينه وخلقه فلها أن تلمح برغبتها في الزواج منه لأهلها على ألا يكون ذلك مدعاة لغير الطرق الشرعية قال تعالى َ(ولاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ).
14:- ( إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ) وفيه إرشاد لرب العمل عند اختياره لعامل أن يكون قويا في مجاله وأمين في أحواله وبهاتين الصفتين يتم صلاح العمل ويفسد بانتفاء وجودهما ، ومعلوم أن القوى أنواع أهمها قوة الإيمان والإسلام ، قيل أن عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه أتخذ كاتباً له نصرانيا فعلم عمر بن الخطاب بذلك فسئله لما ؟ فقال عبدالرحمن بن عوف : لي عمله وعليه دينه ، قال بن الخطاب : أما أنا فوالله لا أعزهم والله أزلهم ولا أدنيهم والله أبعدهم.
15 :- ( قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ... قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ ) وفيه بيان احترام الإسلام لرأي المرأة ، فمن حقها الإدلاء بالرأي وإن كان سديداً يُعمل به.
16 :- ( قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ ) وفيه جواز أن يعرض الرجل ابنته أو من هي تحت ولايته لمن يراه صالحاً في الدين والخلق ، بل إن ذلك من السنة كما جاء عند البخاري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عرض ابنته حفصة على عثمان بن عفان رضي الله عنه فلم يجبه ثم عرضها على أبي بكر الصديق فلم يجبه حتى خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
17 :- ( إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ ) وفيه دليل على جواز تزويج الابنة الصغرى قبل الكبرى ، فلم يثبت من الشرع شيئاً عن ضرورة زواج الكبرى قبل الصغرى كما يفعله بعض الناس في كثير من البلاد بداعي العادات بل الأولى أن التي يأتيها رزقها لا يضّيق عليها بحجة أن الكبرى لم تتزوج بعد.
18 :- ( قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ ) وفيه بيان لصيغة العقد وضرورة أن يتفق الطرفان قبل أن يباشروا العمل على أن يوضح العقد ما يجب على كل طرف أن يقدمه وما يستحقه في المقابل وبيان المدة التي يسري فيها هذا العقد ، قال الله تعالى " يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود "وقال " ِإذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ".
19 :- ( فَمِنْ عِندِكَ ) من تأدب الرجل الصالح الذي قيل أنه نبي الله شعيب في تعبيره مع موسى عليه الصلاة والسلام أنه أراد أن يبين لموسى أن لو أتم العشر حجج فهو يتفضل عليه ، أي أن العامل يتفضل على رب العمل وليس العكس وفيه بيان للعلاقة بين رب العمل والعامل وأنها ليست علاقة سيد بعبده وإنما قد تكون متكافئة فكل منهما يتسفيد من الآخر ولكلاً حقوق وواجبات.
20 :- ( وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ) وفيه بيان لكيفية معاملة العامل بألا تكلفه ما لا يستطيعه وأن ترفق به وترحم ضعفه وحاجته "وهل ترزقون إلا بضعفائكم " وقال أنس بن مالك رضي الله عنه خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين لم يقل لي فيها لما فعلت ذلك أو لما لم تفعل ذلك .
21 :- (سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ) إذا كان رب العمل من الصالحين أعان عامله على فعل الخيرات وترك المنكرات ويسر له إقامة العبادات ، فلا تكون العلاقة دنيوية بحتة وإنما لابد من أمر بالمعروف ونهي عن المنكر .
22 :- ( قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ ) وفيه ألا يأخذ أي طرف من أطراف التعاقد على نفسه وعداً هو لا يدري إن كان سيوفي به أو لا خاصة وان كان غير ملزم به فهو لا يدري ما سيحدث في غده ، وفيه أيضاً ضرورة وجود المرونة بين المتعاقدين وأن يتم بينهما تعديل في الاتفاق إذا كانت هناك حاجة لذلك.
23 :- (وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ) ما أجمل أن تختم العقود بهذه العبارة ، فإن الله شهيداً على اتفاقهما يسمع ويرى ولكنهما أرادا أن يوكلا الله في هذا الأمر كله فهو وكيل كل شىء ، وذلك مثل قول يعقوب عليه السلام إذ قال لأبنائه لما أرادوا أخذ أخو يوسف الأصغر (قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِّنَ اللّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ) (يوسف : 66 ).
هذا والله أعلم،
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire