أن تكون حي الضمير، أو تعمل بما يمليه الضمير أكثر فأكثر.. قد يمثل فرصتك لصحة أفضل وحياة أطول.
إننا نتقبل فكرة أن أوزاننا، وجيناتنا، وتماريننا الرياضية، أو عادة تدخيننا التبغ (سواء كنا نمارسها اليوم أو مارسناها سابقا)، كلها تمثل جزءا من الخليط المعقد الذي يحدد مدى ما نتمتع به من الصحة، والأمراض التي قد تصيبنا، وكذلك تلك الأمراض الأخرى التي يمكننا تفاديها.
إلا أن هناك عاملا آخر ربما لم يلقَ الكثير من الاهتمام اللازم، وهو «شخصياتنا»! وقد وجد العلماء أن نمط الشخصية لا يترابط مع أنواع السلوك الصحي فحسب، وإنما يترابط أيضا مع نتائج صحية مهمة للأفراد وإطالة أعمارهم.
هل هذا يعني أن بإمكان الناس تغيير نمط الشخصية لديهم نحو نمط آخر يمكن أن يكون أكثر صحية، أي بنفس طريقة محاولات تغيير العادات الغذائية والرياضية؟ الجواب هو: لا، على أكثر الاحتمالات، إذ إن الشخصية تبدو متجذرة في الفرد.
ولكن هذا لا يعني أنه ليس بمقدورنا التأثير على بعض التوجهات في معتقداتنا وسلوكنا. والخطوة الأولى هنا هي الوعي أكثر فأكثر بالشخصية وبتأثيراتها المحتملة على الصحة.
خمسة أنماط للشخصية
هناك الكثير من النظريات التي تدور حول أنماط الشخصية وطرق تصنيفها. وتصنف أبرز تلك النظريات أنواع الشخصية في خمس مجموعات: نمط شخصية القبول agreeableness، ونمط الشخصية الحية الضمير (يقظة الضمير) conscientiousness، والشخصية الانبساطية extraversion، والعصابية neuroticism، والانفتاحية openness.
وكل من هذه الأنماط له وجوه متعددة، وعلى سبيل المثال فإن الثقة، والإيثار، أي تفضيل الآخرين على الذات، هي من سمات شخصية القبول. أما القلق والاندفاع فهما من سمات الشخصية العصابية.
وتتسم هذه «المجموعات الكبرى الخمس» بخصائص متلازمة معينة، إلا أن الشخصية الحقيقية يمكن أن تكون ذات خليط أكثر تعقيدا. فشخصية فرد معين ما قد تمتلك خصائص شخصيات القبول، والانبساطية، والضمير الحي، في آن واحد.
وتنشأ الشخصية في الطفولة وتنحى للاستمرار في نموها في مرحلة المراهقة. ومع هذا فإن الشخصية ليست قالبا من الحجر، إذ إن ظروفا معينة تؤدي إلى ظهور سمات مختلفة في شخصية الفرد. كما أن الشخصية تتغير مع تقدم العمر. وقد أظهرت الدراسات أن الانفتاح يبلغ ذروته في مرحلة الشباب، بينما يصبح أكثر الناس من ذوي الضمير الحي بعد تقدمهم في العمر.
الضمير والصحة
إن نمط الشخصية، الذي يترابط أكثر من غيره من الأنماط الأخرى مع التمتع بصحة جيدة، هو نمط الشخصية الحية الضمير. وقد وجدت إحدى الدراسات أن الأشخاص الذين تم تقييمهم من قبل آبائهم ومدرسيهم بأنهم من «ذوي الضمير الحي» في عمر 8 سنوات، يكونون من الأشخاص الأطول عمرا.
كما وجدت دراسات أخرى ترابطا بين هؤلاء الأشخاص من ذوي الضمير الحي وبين انخفاض ضغط الدم، وقلة الإصابة بمرض السكري، والسكتة الدماغية، وإصابات أقل بأمراض المفاصل.
وحتى وعندما أخذ الباحثون في إعادة تدقيق حساباتهم الإحصائية بعد الأخذ بنظر الاعتبار عوامل مثل التعليم، والإدمان على المخدرات، وارتفاع ضغط الدم، وزيادة مستوى الكولسترول، فقد ظهرت رابطة بين الأشخاص من ذوي الضمير الحي وبين الصحة الجيدة لديهم.
وقد يكمن التفسير البديهي للارتباط بين الأشخاص من ذوي الضمير الحي وبين صحتهم الأفضل في وجود عادات صحية أفضل لديهم. وقد قادت بعض الدراسات إلى مثل هذا الاستنتاج، إذ ظهر أن الأشخاص من ذوي الضمير الحي لا يمارسون على الأكثر العادات الضارة مثلما يفعل الآخرون (مثل التدخين، وتناول الكحول بكثرة، وقيادة السيارات الخطرة)، كما أنهم على الأكثر يميلون إلى الالتزام بالعادات الصحية.
لكن الأمر أكثر تعقيدا من ذلك، فلسبب وحيد تبدو بعض جوانب شخصية الضمير الحي مرتبطة بشكل أوثق مع الصحة الجيدة مقارنة بجوانبها الأخرى، ففي بعض الأبحاث برز الانضباط الذاتي بوصفه أهم خصائص الشخصية، بينما أشارت أبحاث أخرى إلى جانب الالتزام التقليدي لها، أي التزام تلك الشخصية بالعادات الاجتماعية.
وبينما يمكن أن يدمر التوتر الصحة، فإن بمقدور الشخصية ذات الضمير الحي أن تتفادى الوقوع فيه، بينما تنجذب الشخصية العصابية نحوه! كما أن الشخصية ذات الضمير الحي قد تكون ناجحة في بلورة خياراتها المهنية، وصداقاتها، واستقرار الزواج، والكثير من جوانب الحياة الأخرى التي تؤثر في الصحة، وتؤثر في النهاية على طول العمر.
الضمير يعزز الإدراك
وقد نشر باتريك ال. هيل الباحث في علم النفس بجامعة إلينوي، وزملاؤه، دراسة العام الماضي افترضوا فيها أن الأفراد من نمط الشخصية ذات الضمير الحي قد يتسمون بفوائد في مجال الإدراك والمعرفة. وقد تكون هذه الفوائد جزءا من أسباب ارتباط هذه الشخصية بطول العمر.
وإن كان الفرد يتمتع بالانضباط الذاتي وبالتنظيم، وهما صفتان للشخصية ذات الضمير الحي، فإن وظائفية الإدراك لديه ربما تقف مجابهة لعوامل تقدم العمر والأمراض العقلية، وبهذا تكون أفضل مما لدى الآخرين الذين لا يملكون مثل هذه الصفات.
ورغم أن هيل وزملاءه لم يجدوا إلا تأثيرا قليلا لهذا النمط من الشخصية على وظيفة الإدراك، فإنه كان كافيا لهم للتأمل في مسألة «ما إذا كانت سمات هذه الشخصية قد تؤثر على المحصلة المهمة، بفضل ما توفره من تعزيز لمهارات الإدراك».
نصائح لتحويل الشخصية
- بعض الناس محظوظون لأنهم يتمتعون بنمط الشخصية ذات الضمير الحي، ولذا يجب على الكثير منا العمل بجهد لكي نتحلى بمثل هذه الشخصية. وإليكم بعض المقترحات:
- ركز على أمور محددة: إن الرغبة فقط في التحول إلى نمط الشخصية ذات الضمير الحي لن تقدم لك شيئا، ولذا عليك أن توجه ذهنك إلى أن تكون أكثر انضباطا في المواعيد وأكثر تنظيما لأعمالك، حينها قد تنجح في ذلك.
- ضع خططا يومية واعمل على تنفيذها: إن وضع مخططك الخاص ثم متابعته يشجعانك على تنظيم أعمالك وانضباطك الذاتي.
- التذكير بالمواعيد: إن لم تكن من نمط الشخصية ذات الضمير الحي، فإنك قد تحيد عن مساراتك. ويمكنك استخدام أجهزة الكومبيوتر والهواتف الذكية لتذكيرك بالمواعيد.
- كن اجتماعيا: إن نمط الشخصية ذات الضمير الحي اجتماعي بالأساس، ولذا فإن الاستمرار في بقاء العلاقات مع أفراد العائلة والأصدقاء قد يشجع على التحول إلى سلوكيات هذا النمط من الشخصية، مثل الحضور في الوقت المطلوب، والإعراب عن الامتنان للآخرين.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire