عام 1995 أخفق احد سكان مدينة ليفربول، من الذين كانوا مواظبين على تسجيل نفس الارقام المختارة في ورقة اليانصيب كل اسبوع، في تسجيلها في الاسبوع الذي فازت فيه تلك الارقام. وقد فكر (وكان مخطئا في ذلك) بأنه قد فقد الجائزة التي تبلغ عدة ملايين، ولذلك أقدم على الانتحار.
ولا نستطيع ان نعرف شيئا عما كان يدور في فكر ذلك الشخص، الا ان بمقدورنا تصور مشاعر الحزن التي طغت عليه لا لشيء، الا لأنه كان مسؤولا، شخصيا، عن النتيجة. وهنا يتجلى احد تعريفات الندم وهو: الاعتراف بالفرق بين الكيفية التي جرت فيها الأمور والكيفية التي كان بإمكانها ان تجرى.. لو اننا قمنا باختيار شيء آخر.
وعلى وجه الخصوص، فهناك منطقة تعرف باسم orbitofrontal cortex OFC،(وهي منطقة في الفص الجبهي تقع فوق مدار العين) قد تكون مسؤولة عن مهمة مقارنة النتائج الحقيقية، مع البدائل المتصوّرة. واظهرت مسوحات الدماغ زيادة في نشاط منطقة (OFC) عندما يشعر الناس بحالة الندم. الا ان المرضى الذين حدثت لهم اضرار في هذه المنطقة من الدماغ، لا يشعرون بالندم، ولا يتعلمون (من تجربتهم) بعد الشعور به.
وتناقش غالبية الأدبيات المتعلقة بالندم التأثيرات السلبية له. فهو يعتبر حالة شديدة الاجهاد، وقد تقود الى حدوث امراض في البدن. كما انه قد يزداد شدة مع الكآبة، او انه يسبب حدوث الكآبة. وترتبط حالات الندم المضخَّمة مع نوعية الحياة المتدنية في السنوات المتأخرة. وإن حدث وان اخفق احدهم في تعلم العبرة من الندم، فان النتيجة تكون الشعور بالاحباط، والسلوك المدمر للذات، او.. كما في حالة ساكن مدينة ليفربول.. إنهاء الحياة.
وفي احد جوانب الدراسة وضع مشاركون في واحد من الاستبيانات، الندم في مرتبة محبّذة، واشاروا الى ان شعورهم بالندم قادهم الى فهم احداث الحياة، ومكنهم من ايجاد بلسم شاف لأخطائهم التي وقعوا فيها.
وفي جانب آخر من الدراسة، سأل الباحثون المشاركين التفكير في11 من المشاعر السلبية.. مثل الخوف، الغضب، القلق، والعار.. اضافة الى الندم. وكان على المشاركين الموافقة او عدم الموافقة على نصوص مكتوبة، على سبيل المثال: ان المشاعر مساعدة لي لمعرفة كيفية التصرف في المستقبل او لتحسين علاقاتي مع الآخرين. واحتل الندم اعلى المراتب قيمة من بين كل المشاعر السلبية المدروسة.
وتشدد الأدبيات على اهمية الندم لدى اتخاذ القرارات. وقوة الندم قد تفسر لماذا يكون البعض منا قادرا بشكل كبير على التقييم الموضوعي للاخطار والفوائد. وبدلا من ان ننظر الى الأمام لتفحص افضل مصالحنا فاننا ننظر عادة الى الخلف. اننا نتأمل في الامور التي حصلت وتلك التي لم تحصل في الماضي. ولهذا وعندما نختار شريك حياتنا او وظيفتنا، او استثماراتنا المالية، او علاجنا الطبي فاننا ننتقي الخيار الذي سنكون الأقل ندما عليه.
وإدارة الندم بشكل مثمر، قد تشكل عنصرا حيويا في الصحة العقلية، وفي نوعية الحياة الجيدة، وفي الاحساس الايجابي بالرفاه. وان كان هذا صحيحا فعلا، فان من الافضل مواصلة التركيز على الابحاث والعلاجات (في هذا المضمار).
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire