الأوجاع والآلام: طرق مواجهة وعلاج
ابتكر الطب التقليدي والطب البديل، على مر العصور، الكثير من العلاجات التي تهدف للقضاء على الالم. لكن اهم امتحان، والمقياس الحقيقي الذي يهم الشخص المتالم في النهاية، يبقى دائما قدرة هذه العلاجات - سواء كانت تقليدية ام بديلة - على النجاح في مهمتها والتخفيف من حدة الالم.
وعلى الرغم من وجود الكثير من العلاجات التقليدية والبديلة للالم، كما اسلفنا، وعلى الرغم من انها تختلف عن بعضها البعض بشكل كبير وواضح، يبقى العامل المشترك الاساسي بينها جميعا هو محدودية قدرتها على النجاح في مهمتها. وبكلمات اخرى، ما تزال نسب نجاح ونجاعة هذه العلاجات - في كلا التوجهين: التقليدي والبديل - بعيدة جدا عن الـ 100%. لذلك، فاننا كثيرا ما نلاحظ (وبشكل شبه طبيعي) اختيار الكثير من المتعالجين للدمج بين النهجين. الامر الذي يعني ان الملاءمة الشخصية والمزج الصحيح بين العلاجات التي يقدمها كل واحد من التوجهين، هو ما يلعب الدور المركزي في الشفاء من الالم.
يتعلق نجاح علاج الالم بعدة عوامل، حيث ان احد العوامل الهامة التي تلعب دورا هنا، هو درجة وحدة الالتهاب. تقسم حدة الالتهاب لثلاث درجات بحسب المعايير التالية:
التهاب من الدرجة الاولى: التهاب بسيط جدا يمكن تشخيصه خلال الفحص البدني الذي يجريه الطبيب، في اعقاب تحسس او تحفيز واحد فقط.
التهاب من الدرجة الثانية: يشعر الشخص المصاب بالام من مصدر الالتهاب في حالات معينة. مثلا، عند القيام بحركات معينة على سبيل المثال.
التهاب من الدرجة الثالثة: يشعر المصاب بالام التهابية حتى في حالات الاستراحة ودون بذل اي مجهود كبير، وحتى دون وجود اي محفز خارجي يذكر.
هنالك الكثير من الاسباب التي تؤدي في النهاية الى ان حالات الالم التي تصل للعلاج الطبي المؤهل، تكون حالات الالتهاب الصعبة بشكل عام، اي الالتهابات من الدرجة الثالثة. يؤجل العديد من المصابين زيارة الطبيب بسبب الازعاج الذي تسببه هذه الزيارة، اضافة للوقت الذي يحتاج اليه القيام بها. كذلك، فان هنالك الكثير من الاشخاص الذين يثقون بالادوية والعلاجات الشعبية و"نصائح الجدة"، كما يعتمد الكثيرون على الادوية التي تباع دون وصفة طبية وغيرها من العلاجات الدوائية المخصصة لتخفيف الالم. لهذا السبب، فان التوجه الاولي للطبيب (بشكل عام طبيب العائلة) يكون، كما ذكرنا سابقا، في مرحلة متاخرة نسبيا، وعليه، فان بداية الفحص والتشخيص كذلك تكون متاخرة بعض الشيء. يتلقى المصاب خلال فترة التشخيص، بالعادة، علاجا دوائيا للالم، ولكن بشكل عام، يكون هذا الحل مؤقتا فقط، الى حين ملاءمة العلاج السببي (Aetiology) للمشكلة.
الامور التي لا يجوز القيام بها خلال نوبات الالم الحادة:
1- ممنوع، باي شكل من الاشكال، رفع حرارة المنطقة الملتهبة (تسخينها). فكما اسلفنا، تنبع غالبة حالات الشعور بالالم من الاصابة بالتهاب ما، ومن المعروف ان التسخين هو احد مسببات الالتهاب بحد ذاته. لذلك، فليس هنالك اي سبب لمفاقمة حالة الالتهاب من خلال رفع درجة حرارة المنطقة المصابة.
2- بشكل عام (ما عدا في حال وجود توصيات واضحة اخرى من الطبيب) من المحبذ عدم محاولة تخفيف الالم بواسطة النشاط البدني، حيث ان الضغط المرافق للنشاط البدني من الممكن ان يزيد الالتهاب.
3- من المحبذ جدا عدم استخدام اي طريقة بديلة لعلاج الالم او المرض، قبل اجراء تشخيص طبي تقليدي مؤهل. وذلك لان بعض العلاجات البديلة من الممكن ان تؤدي لاختفاء جزء من الاعراض التي تعتبر حيوية من اجل التعرف على طبيعة الاصابة خلال التشخيص. او انها، في بعض الحالات التي تنجح فيها بشكل كبير بعلاج الاعراض (وليس الاصابة) تؤدي لتاخر المريض بالتوجه للطبيب (اعتقادا منه بانه شفي).
تلخيصا لما ذكر اعلاه: توصيتنا واضحة جدا، ومفادها ان عليكم التوجه للطبيب فورا عند ظهور الاعراض الاولية للالام او الالتهاب.
سير العلاج:
كما ذكرنا في البداية, كلنا نكره الالم. ومع ذلك، فان رد الفعل للالم والمعاناة النفسية الناتجة عنه، تختلف من شخص لاخر، ويسمى هذا الامر باللغة المهنية بـ "رد الفعل الانتقائي" (الفردي- Subjective) للالم. يجب ان يكون علاج الالم متعلقا برد الفعل الانتقائي للالم، ولذلك فان التوجه لعلاج الالم يختلف من مريض لمريض، حتى عند الحديث عن نفس المرض من الناحية الموضوعية (Objective).
عند النظر الى "دالة" تقدم عملية الشفاء، نلاحظ انها اقرب الى الدالة الدورية (الصاعدة حينا والهابطة حينا اخر) منها الى الخط المستقيم. وذلك لان من المتوقع، خلال فترة الشفاء، حدوث تفاقمات مؤقتة في حدة الالم. هنالك الكثير من الاسباب التي تؤدي لهذه الظاهرة العامة، وهي كثيرة وواسعة بحيث تتجاوز حدود نقاشنا الحالي، لكن لا بد ان نعي هذه الحقيقة، وان نعرف ان عملية الشفاء والتعافي هي امر تدريجي يختلف بمساره ووتيرته من شخص لاخر.
لهذا السبب يجب مواصلة تلقي العلاج والاستمرار به حتى النهاية، وليس كما يفعل الكثيرون من المصابين الذين ينتقلون من علاج الى اخر، ومن مختص الى اخر، ويتوقعون شفاء فوريا. يعتبر انعدام الصبر عند علاج الالم من الامور التي تؤدي، بشكل عام، لتفاقم الوضع وزيادة الضغط النفسي، الامر الذي يعيق، بشكل كبير، عملية الشفاء.
يمكن للالم ان ينتقل من مكان الى مكان، وذلك كجزء من مسار عملية الشفاء، كما من الممكن ان تتغير ماهيته وجوهره. في كثير من الحالات، نشعر بتغير نوعية الالم، او اننا قد نشعر بالم جديد في مكان جديد.
احدى الحالات (العمليات) المتعلقة بهذه الظاهرة، تكمن في الجهاز العضلي: لكل عضلة من عضلات الجسم، هنالك عصب مسؤول عن تفعيلها. في الحالات التي تكون فيها احدى العضلات متوقفة عن العمل (بسبب التهاب العضلة نفسها، او بسبب تراجع اداء العصب، او لغيرها من الاسباب) تضطر العضلات الاخرى السليمة للعمل ساعات اضافية، الامر الذي يؤدي لاجهادها وللشعور بالالم. من جهة اخرى، تبدا العضلات التي لا تعمل بالضعف بشكل اسرع (بعد اسبوع من نقص النشاط)، الامر الذي يؤدي بحد ذاته لحصول الالتهابات والشعور بالالم. كذلك، وخلال عملية الشفاء، من الممكن ان يؤدي تشغيل العضلات المنحلة والضعيفة (ولهذا فهي ايضا لا تتحمل الجهد) للشعور بالالم (وهي الالام التي تعتبر جزءا طبيعيا وحيويا من عملية الشفاء بعد الالم المزمن المتواصل).
من الحالات الاخرى التي تؤدي اصابة عصب العضلة فيها لمشاكل والام اضافية، هي حالة الجنف (Scoliosis- انحراف العمود الفقري) وغيرها من حالات اضطراب التوازن. يؤدي اختلال التوازن في هذه الحالات، الى ضغط غير متوازن على الانسجة الرخوة، الاعصاب، والعضلات. الامر الذي يؤدي، بدوره، للاضرار بتزويد هذه الاعضاء بالدم، كما من الممكن ان يسبب التهابا والما.
بسبب التنوع الكبير للاسباب، فان علاج الالم يجب ان يبدا من التشخيص الدقيق والمحسوب، من اجل ايجاد مصدر الالم الاولي، والامتناع عن تقديم (او تلقي) العلاج غير الضروري لمسببات الالم الثانوية
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire