من اهم الامور التي تحصل مع الطفل خلال الاشهر الاولى من حياته، هي بدء الرؤية بكلتا عينيه.
كل واحد منا يملك عينين تعملان بتناسق تام بينهما، وبفضل هذا التناسق، يتمتع البشر، بخلاف الحيوانات الاخرى، بقدرة كبيرة على الرؤية ثلاثية الابعاد. يكتسب الرضيع هذا التناسق بين العينين خلال الاشهر الاولى من حياته. احيانا، والى حين بلوغه سن الاشهر الـ 4 او 5 الاولى، لا يكون الطفل قد اكتسب القدرة على التنسيق بين العينين بعد، ولذلك فان احدى العينين تكون ناظرة الى الامام (في الوسط)، بينما تتجه العين الاخرى نحو الداخل او الخارج، او بكلمات اخرى: تصاب بالحول.
من المفروض ان تختفي حالات الحول بجيل الـ 6 اشهر. لكن اذا بقي الحول، فان هذا يدل على وجود خلل ما، الامر الذي يستدعي التوجه للطبيب فورا. حتى يومنا هذا، هنالك بعض الاطباء الذين يرفضون فحص الاطفال الذين يعانون من الحول، ويبلغون اكثر من 6 اشهر من العمر، بدعوى ان الطفل ما زال صغيرا وان الحول سيختفي من تلقاء نفسه. من المهم ان نعرف ان هذا الاعتقاد خاطئ، بل وعلى العكس، فان الحول قد يؤدي الى الغمش، الامر الذي يسبب حدوث خلل في الرؤية بكلا العينين. لذلك، من المهم معالجة هذه الحالات دون اي تاجيل.
قد يصاب الطفل بانواع اخرى من الحول في سن اكثر تقدما، كما من الممكن ان يصاب به البالغون. علينا ان نعرف ان الحول لدى الاطفال يستلزم العلاج. من الممكن ان يؤدي عدم معالجة هذه الحالات الى الاصابة بالغمش، اضطراب الرؤية في كلا العينين، الشفع، وغيرها من الاضطرابات.
الحول الظاهري او الكاذب
في كثير من الاحيان، يبدو لنا ان الاطفال ممن هم دون سن السنة، يعانون من الحول، في حين انهم لا يعانون في الحقيقة من الحول، وعيونهم متوازية ومستقيمة تماما. يعود سبب هذه الظاهرة الى مبنى الجفون والوجه لدى الاطفال. بالعادة، تكون لدى الاطفال طيات جلدية في جانبي الجفن، كما انهم من الممكن ان يعانوا من اتساع قصبة الانف (تسطح جسر الانف). تقوم هذه الحالات بتغطية جزء من العين بحيث يبدو الطفل وكانه يعاني من الحول. نستطيع رؤية هذه الظاهرة، بشكل خاص، عندما ينظر الطفل الى الاطراف، حيث تغطي طيات الجلد جزءا كبيرا من عينه. حين يكبر وجه معظم الاطفال، يقل عرض جسر الانف وتختفي هذه الظاهرة.
بالامكان رؤية الدليل على عدم انحراف العينين عندما نقوم بتسليط الضوء على عيني الطفل الذي يعاني من الحول الظاهري، حيث سنلاحظ ان انعكاس الضوء يسقط تماما في نفس المكان في كل واحدة من العينين، في مركز الحدقة. بهذه الطريقة يمكننا ان نتاكد من ان الطفل لا يعاني من الحول.
في كل الاحوال، بامكان الشخص الذي يقوم باجراء الفحص فقط، وعندما يكون متمكنا وذا خبرة حقيقية - سواء كان طبيب عيون او اخصائي بصريات - ان يحدد بشكل مؤكد ان كان الحديث يدور عن حول حقيقي او كاذب.
اكثر نوعين من الحول انتشارا هما: الحول الانسي ( Esotropia ) الذي يتسم بتوجه احدى العينين نحو الداخل، والحول الوحشي ( الخارجي - Exotropia ) الذي يتسم بتوجه احدى العينين الى الخارج. هنالك حالات نادرة اخرى من الحول تتجه فيها العين نحو الاعلى او نحو الاسفل.
- الحول الانسي (الحول الداخلي –Esotropia)
هنالد عدة انواع من الحول الانسي (توجه احدى العينين الى الداخل)
ا. الحول الانسي الخلقي
ينشا هذا النوع من الحول عند الولادة، ولا يتم شفاؤه بعد مرور ستة اشهر. يكون هذا الحول بالعادة بارزا وواضحا. في كثير من الاحيان، يختفي الحول، اي ان الطفل يصاب به بشكل متقطع، تارة في العين اليمنى وتارة في العين اليسرى. لذلك فان الاطفال لا يصابون بالغمش نتيجة له. كذلك، يروي الابوين ان حالة الحول تزداد سوءا عندما يكون الطفل مرهقا او مريضا.
في بعض الاحيان، تلعب العوامل الوراثية دورا في هذا النوع من الحول، اذ يصيب الحول بعض الاخوة، او الاطفال المولودين لاهل يعانون من الحول. بشكل عام، يتم علاج الحول من خلال اجراء عملية جراحية، ومع ذلك، فهنالك حالات يمكن فيها علاج الحول عبر استخدام النظارات، او حتى الدمج بين الامرين (اجراء العملية الجراحية واستخدام النظارات).
ب. الحول التكيفي (Accommodative strabismus)
نوع اخر من انواع الحول الانسي، هو الحول التكيفي الذي يصيب الاطفال، عادة، في جيل 8 شهور حتى 4 سنوات. احيانا يصيب هذه الحول الطفل بشكل مفاجئ ويبقى بشكل دائم، بينما من الممكن ان يظهر في بعض الاحيان ثم يختفي، ويكون بالامكان ملاحظته بشكل بارز حين يكون الطفل مرهقا او مريضا. كذلك، فانه من الممكن ان يشكو الطفل نفسه، في بعض الاحيان، من ان الحول يسبب له ازدواجية في الرؤية. يبرز الحول بالاساس عندما يحاول الطفل ان يركز على رؤية شيء قريب.
يصيب هذا النوع من الحول، بالاساس، الاطفال الذين يعانون من مد البصر (بعد النظر). حتى يستطيع هؤلاء الاطفال ان يروا بوضوح، فانهم يقومون بتقليص العضلة الداخلية للعين، الامر الذي يؤدي الى الحول. عندما ينظر الطفل الى شيء قريب، يكون عليه ان يقلص العضلة الداخلية اكثر. لذلك، فان هذا النوع من الحول يكون ظاهرا احيانا، فقط عندما ينظر الطفل الى شيء قريب. لدى الكثير من الاطفال، يساهم استخدام النظارات باصلاح الحول بشكل تام. عندما يكون الحول خطيرا اكثر خلال النظر الى شيء قريب، يجب اعطاء الطفل نظارات ثنائية البؤرة (Bifocal) او متعددة البؤر (Multifocal)، والمقصود هنا هو نظارات تم اجراء تعديل بصري اكبر على الجزء السفلي من عدستها.
في كثير من الاحيان، يكون هذا النوع من الحول وراثيا، لذلك فمن الاهمية بمكنا اجراء فحص لاخوة واخوات الطفل الذي يعاني من الحول.
- الحول الوحشي (الحول الخارجي –Exotropia)
عند الاصابة بهذا النوع من الحول، تتجه احدى العينين نحو الخارج.
يظهر هذا النوع من الحول، بالعادة، بعد السنة الاولى. من الممكن ان يكون الحول دائما، اي ان الطفل يعاني من الحول طيلة الوقت. او انه قد يكون مؤقتا، بمعنى ان الطفل يعاني من الحول في بعض الاحيان فقط. يظهر الحول غير الدائم عندما ينظر الطفل بعيدا، ويخف (او يختفي) عندما يركز الطفل على شيء موجود على مقربة منه. يبدو هذا الحول بوضوح، بالاساس، عندما يكون الطفل مرهقا، مريضا، او فاقدا لقدرته على التركيز. من الظواهر التي تميز هذا النوع من الحول، ظاهرة اغلاق عين واحدة عند التعرض لاشعة الشمس. احيانا، يتنقل الحول من عين لاخرى، لكن في معظم الاحوال، تكون هنالك عين واحدة اكثر ميلا للحول من قرينتها. تكون هذه العين اكثر عرضة لان تصاب بالغمش.
احيانا، لا يكون بالامكان ملاحظة الحول، تقريبا، عند النظر بعيدا، انما يزداد الامر سوءا عند النظر الى الاشياء القريبة. قد يسبب هذا النوع من الحول اعراضا مثل: الشفع، الصداع، ضبابية الرؤية، وفرط افراز الدمع.
علاج الحول الوحشي
بالامكان علاج الحول غير الدائم عن طريق تغطية العينين بشكل متقطع. يؤدي هذا النوع من العلاج، احيانا، لاختفاء الحول. عندما يكون الحول اكثر بروزا خلال النظر الى شيء قريب، يكون بالامكان علاجه بواسطة بعض التمارين المخصصة لزيادة قدرة العينين على التركيز. ومع ذلك، يكون العلاج الاكثر نجاعة، في معظم الحالات، هو العمليات الجراحية.
- عملية اصلاح الحول:
تتحرك العين بواسطة ست عضلات، وينجم الحول عن خلل في التوازن بينها. خلال العملية الجراحية، تتم تقوية او اضعاف عضلات العين بهدف اعادة حالة التوازن التي اصيبت بالخلل.
يتم اضعاف العضلة من خلال فصلها عن مكانها الطبيعي وخياطتها في الخلف، الامر الذي يجعلها اكثر ارتخاء. اما تقوية العضلة فتتم من خلال قطع جزء منها وخياطة ما تبقى في الموقع الاصلي للعضلة- هكذا تصبح العضلة مشدودة وقوية اكثر.
- غرز الملاءمة:
تعتبر الجراحة التي تعتمد على غرز الملاءمة، اسلوبا حديثا نسبيا، يزيد من احتمالات نجاح العملية. في هذه الجراحة، تتم خياطة العضلة بواسطة غرزة يمكن فتحها وتغيير مكانها.
بعد وضع الغرز، يتم ايقاظ المريض من التخدير وفحص وضع الحول لديه. اذا كان ما زال يعاني من الحول بعد العملية، يتم فتح الغرزة التي تمسك بالعضلة وتغيير مكانها، الى ان يتم اصلاح الحول تماما. بالامكان، من خلال هذا الاسلوب، رفع نسبة نجاح العملية بنحو 10% اضافية.
هل يتم اجراء العملية الجراحية تحت تاثير التخدير الكلي او الموضعي؟
يتم اجراء العمليات الجراحية للاطفال تحت تاثير التخدير الكي فقط. اما البالغون، فبالامكان اجراء الجراحة لهم تحت تاثير التخدير الكلي او الموضعي، حسب رغبة المريض وتقديرات الطبيب للوضع.
هل هنالك داع لاستخدام النظارات بعد اجراء العملية ايضا؟
بالامكان اصلاح قسم من حالات الحول بواسطة النظارات فقط، بينما يحتاج اصلاح القسم الاخر لاجراء عملية جراحية. كذلك، فان هنالك حالات من الحول، يستدعي علاجها الدمج بين استخدام النظارات واجراء العملية الجراحية معا. من المهم ان نعرف ان العملية لا تعتبر بديلا للنظارات، انما تقوم باصلاح ما تبقى من الحول الذي لم تتمكن النظارات من اصلاحه. لذلك، وحتى بعد العملية، ستكون هنالك حاجة، في معظم الحالات، لاستخدام النظارات.
وماذا عن تغطية احدى العينين؟
قبل اجراء العملية الجراحية، يجب تغطية احدى العينين من اجل زيادة قدرة العين الاخرى على الرؤية، ولمنع الاصابة بالغمش. عندما تكون الرؤية جيدة في كلا العينين، فان ذلك يساهم في زيادة احتمالات نجاح العمية. احيانا، تكون هنالك حاجة حتى بعد العملية، للاستمرار بتغطية العيون، من اجل الحصول على نتائج افضل.
ما هي احتمالات نجاح العملية؟
تعتبر احتمالات نجاح الاساليب الجراحية الحديثة جيدة جدا. ومع ذلك، فلا يمكن الالتزام بالنجاح التام في عمليات اصلاح الحول، حيث ان هنالك احتمالا صغيرا بين 10 و 15% لان يعاني المريض نسبة معينة من الحول بعد العملية، حتى لو لم تسبب له مشكلة على مستوى الرؤية او من الناحية الجمالية. في بعض الحالات النادرة، قد يبقى لدى المصاب حول ملحوظ بعد العملية، الامر الذي يستدعي اجراء عملية جراحية اضافية.
ما هي مخاطر العملية الجراحية؟
- نظرا لان العملية تتم في الجزء الخارجي من العين، فلا يوجد خطر كبير على الرؤية.
- احيانا، قد يحدث تلوث بعد العملية، لكن علاجه يكون، في معظم الحالات، سهلا وناجعا بواسطة القطرات.
- احيانا من المممكن ان تحصل حالة من الشفع بعد العملية، لكنها سرعان ما تختفي في غضون عدة ايام.
في بعض الحالات النادرة جدا, قد لا يزول الشفع وعندها قد يستلزم الامر تلقي علاجا اضافيا.
ما هي مراحل التماثل للشفاء بعد العملية الجراحية؟
- خلال الايام الاولى التي تلي العملية الجراحية، تكون العيون حمراء، وقد يشعر المريض بالم طفيف وبشيء من عدم الارتياح.
- هنالك حاجة لتلقي العلاج بواسطة القطرات.
- احيانا قد يعاني الشخص من الشفع، لكنه سرعان ما يزول - في معظم الحالات- في غضون عدة ايام.
- من المحبذ تفادي التعرض للغبار والريح لعدة ايام، لكن ليست هنالك قيود على القيام بالنشاطات العادية داخل المنزل.
- بالامكان العودة الى المدرسة او العمل في غضون عدة ايام، او حتى اسبوع.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire